عودة محمودة للمملكة المتحدة إلى برامج الأبحاث في الاتحاد الأوروبي: مفيد لجميع الأطراف

عودة محمودة للمملكة المتحدة إلى برامج الأبحاث في الاتحاد الأوروبي: مفيد لجميع الأطراف

في تطور مهم للمجتمع العلمي، انضمت المملكة المتحدة مؤخراً إلى برنامجي تمويل الأبحاث الرائدين في الاتحاد الأوروبي، وهما برنامج هورايزون أوروبا وكوبرنيكوس. يمثل هذا التطور نقطة تحول إيجابية للعلوم، حيث يعزز التعاون الدولي ويستفيد منه كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. يستكشف هذا المقال أهمية لم الشمل هذا، ويتعمق في ترابط العلوم عبر الحدود والفوائد المحتملة التي يحملها لجميع الأطراف المعنية.

لقد تجاوز جوهر العلم دائمًا الحدود الوطنية. وقد ازدهرت على مر التاريخ بفضل الجهود الجماعية للعلماء والمبادرات البحثية التعاونية. وتجسد قصة نيكولاس كوبرنيكوس، عالم الفلك الشهير، هذه الطبيعة العالمية للعلم. وُلِد كوبرنيكوس في تورون ببولندا، وبدأ رحلة تعليمية أخذته من وطنه إلى إيطاليا، حيث درس في روما وبادوا قبل أن يحصل على الدكتوراه في القانون الكنسي من جامعة فيرارا. وقد أحدث “نموذجه الكوبرنيكي” الرائد، والذي وضع الشمس في مركز الكون، ثورة في الفكر العلمي. وتؤكد رحلة كوبرنيكوس كيف يستفيد التقدم العلمي من الحراك والتعاون الدوليين.

تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على التعاون العلمي

عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واجه المجتمع العلمي في المملكة المتحدة سلسلة من التحديات، والتي تتعلق في المقام الأول بالاحتفاظ بالعلماء الأوروبيين وتعزيز التعاون البحثي. توضح الأدلة التجريبية، مثل الأبحاث المتعلقة ببيانات الاستشهاد، عواقب هذه التحديات. كشفت دراسة أجراها إبرو سانليتورك في معهد ماكس بلانك للأبحاث الديموغرافية في ألمانيا عن زيادة كبيرة في عدد الباحثين من الاتحاد الأوروبي الذين يغادرون المملكة المتحدة في السنوات الثلاث التي أعقبت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بينما أظهر الباحثون البريطانيون ميلًا للبقاء أو العودة من الاتحاد الأوروبي.

دور هورايزون أوروبا

إن إعادة دمج المملكة المتحدة في هورايزون أوروبا يشكل تطوراً محورياً. يعد برنامج Horizon Europe أكبر برنامج تعاون بحثي في العالم، حيث يقدم لعلماء المملكة المتحدة شبكة واسعة من الأبحاث التعاونية. يقع في قلب هذا البرنامج مجلس البحوث الأوروبي (ERC)، وهو وكالة تمول بشكل فريد المشاريع البحثية التي يقودها العلماء الذين لديهم الحرية في تغيير المؤسسات بعد الجائزة. تسلط البيانات الواردة من ERC الضوء على المشاركة الكبيرة لمؤسسات المملكة المتحدة، حيث حصل 98 منها على 2397 مشروعًا وتمويل إجمالي يزيد عن أربعة ملايين يورو منذ عام 2007، وهو ما يمثل 16٪ من جميع المشاريع والتمويل. إن المنح السخية التي يقدمها مجلس البحوث الأوروبي، والتي تتراوح بين 1.5 إلى 2.5 مليون يورو، تزيد من أهمية هذا البرنامج، حيث أصبحت جوائز ERC بمثابة شارات شرف مرموقة للباحثين الرئيسيين.

مساهمة المملكة المتحدة في العلوم الأوروبية

لقد كانت مشاركة المملكة المتحدة في شبكات الأبحاث الأوروبية مفيدة في تطوير المعرفة العلمية. وفي العديد من المجالات العلمية، تستفيد أوروبا من تجميع الموارد والخبرات، مما يؤدي إلى اكتشافات رائدة وتطبيقات مبتكرة. تضم المملكة المتحدة مؤسسات رفيعة المستوى في مختلف المجالات، مما يزيد من تعزيز شبكات البحث الأوروبية. على سبيل المثال، وفقًا لتصنيفات جامعة كيو إس العالمية، تظهر أربع مؤسسات في المملكة المتحدة ضمن أفضل 20 جامعة، في حين لا تمثل أي منها الاتحاد الأوروبي. إن روح التعاون ومشاركة البنية التحتية البحثية تمكن من التقدم العلمي الذي يتجاوز حدود الدول الفردية.

البنية التحتية للبحوث التعاونية

تلعب البنية التحتية للأبحاث دورًا محوريًا في تسهيل الاكتشافات والتقدم العلمي. وتتطلب بعض المشاريع، مثل مصادم الهادرونات الكبير في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN)، استثمارات كبيرة لا تستطيع أي دولة أوروبية أن تتحملها بمفردها. ومن خلال توسيع العضوية، يصبح من الممكن توزيع عبء تكاليف مثل هذه المشاريع بشكل أكثر عدالة، مما يجعلها ممكنة التنفيذ. ومن الأمثلة البارزة الأخرى برنامج كوبرنيكوس، وهو مبادرة لمراقبة الأرض بتمويل من الاتحاد الأوروبي تستخدم الأقمار الصناعية لمراقبة صحة الكوكب وتوفير البيانات المفتوحة في الوقت الحقيقي. وهذا المورد لا يقدر بثمن لمعالجة حالات الطوارئ البيئية ويؤكد فوائد التعاون الدولي.

الجمعيات والفرص الضائعة

وفي حين نجحت المملكة المتحدة في التفاوض على العضوية المنتسبة في هورايزون أوروبا والوصول إلى كوبرنيكوس، فإنها لم تحصل على وضع مماثل مع ESFRI، المنتدى الاستراتيجي الأوروبي المعني بالبنية التحتية للبحوث. وتنتج مشاريع ESFRI، مثل المسح الاجتماعي الأوروبي ومسح الصحة والشيخوخة والتقاعد في أوروبا، رؤى علمية مهمة وتدعم تقييمات السياسات الاجتماعية والاقتصادية من خلال مقارنة النتائج عبر البلدان. يمثل غياب مشاركة المملكة المتحدة في مشاريع ESFRI فرصة ضائعة لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

آفاق المستقبل

تعد عودة المملكة المتحدة إلى النظام البيئي البحثي للاتحاد الأوروبي خطوة مهمة إلى الأمام. وقد أصبحت سبع عشرة دولة أخرى، بما في ذلك إسرائيل، والنرويج، وتركيا، وأوكرانيا، أعضاء منتسبين في هورايزون أوروبا. ويظل من غير المؤكد ما إذا كانت علاقة المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي سوف تتطور إلى شراكة قوية ومستقرة على غرار شراكة إسرائيل أو النرويج أو ستتبع نموذجًا أكثر تخصيصًا مثل سويسرا. ومع ذلك، هناك أمر واحد واضح: أن الشراكة القوية والمستقرة والمفيدة للطرفين في مجال العلوم هي في مصلحة جميع الأطراف المعنية.

ختاماً، إن إعادة اندماج المملكة المتحدة في برنامجي “هورايزون أوروبا” و”كوبرنيكوس” التابعين للاتحاد الأوروبي يشكل سبباً للاحتفال في المجتمع العلمي. وتدل هذه الخطوة على العودة إلى التعاون الدولي وتؤكد أهمية البحث التعاوني في تطوير المعرفة الإنسانية. وبما أن العلم لا يعرف حدودا، فإن فوائد لم الشمل هذه تمتد إلى كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، فضلا عن المجتمع العلمي العالمي. إن إمكانات الاكتشافات والابتكارات والمعرفة المشتركة في المستقبل لا حدود لها، مما يجعلنا متفائلين بحذر بشأن المستقبل المشرق الذي ينتظر جميع الأطراف المعنية.


المصدر: theconversation.com
الصورة من عمل: Drobotdean on Freepik

 

أخبار تسعدك

اترك تعليقاً