حماية المدنيين في الصراعات ليست مجرد واجب أخلاقي؛ إنها ضرورة قانونية وإنسانية

حماية المدنيين في الصراعات ليست مجرد واجب أخلاقي؛ إنها ضرورة قانونية وإنسانية

في قلب أي صراع، تكمن حقيقة أساسية تتجاوز الحدود والجنسية والهوية: وهي أن المدنيين هم مدنيون. إنه مبدأ لا يمكن المساس به أن جميع الحكومات، بل والمجتمع العالمي، يجب أن يدعموا حماية المدنيين بغض النظر عن موقعهم أو هويتهم. وسواء في إسرائيل أو غزة، فإن حياة الأبرياء ثمينة بنفس القدر، ويجب حماية حقوقهم. وللحكومات ووسائل الإعلام دور حاسم تلعبه في الحفاظ على هذا الالتزام، والامتناع عن الانحياز إلى أي طرف، والأهم من ذلك، رفض تبرير قتل المدنيين تحت أي ظرف من الظروف.

الحماية المتساوية لجميع المدنيين

في أي صراع، من الضروري أن ندرك أن المدنيين، بغض النظر عن جنسيتهم أو عرقهم أو دينهم، هم المجموعة الأكثر ضعفا والعزل. إنهم ليسوا مقاتلين. فهم ليسوا مشاركين في الصراع. إنهم معلمون وأطباء وأطفال وآباء وأشخاص عاديون يحاولون أن يعيشوا حياتهم وسط فوضى الحرب. إن إنسانيتهم وحقوقهم وحياتهم لا تتوقف على موقعهم الجغرافي.

ومبادئ القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان واضحة في موقفها من هذه المسألة. تحدد اتفاقيات جنيف وغيرها من الصكوك القانونية الدولية الالتزام بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة ومنع استهدافهم أو إيذائهم أو تهجيرهم. وتسري هذه المبادئ في كل ركن من أركان العالم، ولا ينبغي أن يكون هناك أي استثناء.

وتقع على عاتق الحكومات مسؤولية رسمية تتمثل في إعطاء الأولوية لسلامة ورفاهية جميع المدنيين، وتزويدهم بالدعم اللازم والأمن والوصول إلى الخدمات الأساسية.، دون تمييز. ويمتد هذا الالتزام ليشمل أولئك الذين يجدون أنفسهم عالقين في مناطق النزاع، سواء كانوا سكان جنوب إسرائيل الذين يعيشون تحت تهديد الهجمات الصاروخية أو سكان غزة الذين يتعرضون الآن لإبادة جماعية وقصف للبنى التحتية والمستشفيات والمدارس والكنائس. وهناك خطة معلنة لتهجير أكثر من مليون إنسان مدني إلى مخيمات في الصحراء في تطور خطير كارثي على حياة المدنيين في غزة.

علاوة على ذلك، ينبغي للحكومات أن تسعى جاهدة إلى إيجاد حلول سلمية للصراعات، والمشاركة في الحوار والمفاوضات لمنع المعاناة غير الضرورية للمدنيين. ويجب عليهم الامتناع عن استخدام القوة العسكرية عندما تكون البدائل السلمية موجودة، والالتزام بالقانون الدولي ومبادئ التناسب والتمييز.

مسؤولية الإعلام

تلعب وسائل الإعلام دورا حاسما في تشكيل الرأي العام، ويجب أن تكون منارة للحياد والحقيقة. وفي صراعات مثل الصراع بين إسرائيل وغزة، يجب على وسائل الإعلام الامتناع عن الوقوف ضد طرف ضد الآخر. إن إثارة العنف أو تقديم رواية متحيزة لا تؤدي إلا إلى تفاقم الانقسامات وتأجيج الكراهية. يقع على عاتق الصحفيين التزام أخلاقي بالإبلاغ عن معاناة جميع المدنيين، بغض النظر عن موقعهم، وتسليط الضوء على التكلفة البشرية للصراع.

ومن المهم أيضًا أن تقوم وسائل الإعلام بالتدقيق ومحاسبة الحكومات على أي أعمال تؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين. ومن خلال التقارير المسؤولة، يمكن لوسائل الإعلام المساعدة في ضمان التزام الحكومات بأعلى المعايير في حماية المدنيين ودعم حقوق الإنسان.

دعوة إلى الوحدة والرحمة

وفي أوقات الصراع، يجب على العالم أن يتحد في التزامه بحماية جميع المدنيين، والاعتراف بالقيمة والكرامة المتأصلة لكل إنسان. كمجتمع عالمي، ينبغي لنا أن نسعى جاهدين من أجل التعاطف والمؤازرة والفهم المشترك لتأثير الصراع على حياة المدنيين. إن معاناة طفل في غزة لا تقل أهمية عن معاناة طفل في إسرائيل. ويجب علينا أن نرفض تبرير قتل المدنيين تحت أي ظرف من الظروف، وأن نعمل بلا كلل لمنع مثل هذه الخسائر المأساوية في الأرواح.

إن المجتمع العالمي ليس غريبا على التأثير المدمر للصراعات المسلحة. مع احتدام الصراعات في أنحاء مختلفة من العالم، كثيرًا ما يجد المدنيون أنفسهم عالقين في مرمى النيران، ويواجهون مخاطر جسيمة تهدد سلامتهم وأمنهم وحقوقهم الإنسانية الأساسية. ويتعين على المجتمع الدولي إرساء وحماية مبدأ تحييد المدنيين عن الصراع، وضمان ألا يكونوا مجرد أضرار جانبية في السعي لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية أو أيديولوجية.

وكثيراً ما يدفع المدنيون، الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية ولا ينتمون إلى القوات المسلحة، الثمن الباهظ في الصراعات في جميع أنحاء العالم. إن الأرقام مذهلة، حيث تتعطل أو تدمر حياة الملايين من الأبرياء كل عام. وكانت العواقب وخيمة: النزوح، والإصابات، والموت، والصدمات النفسية. لقد تمزقت مجتمعات بأكملها، وتآكلت أسس المجتمعات.

دعوة إلى العدالة والمساءلة: حماية المدنيين في غزة وإنهاء دورات العنف

لقد سلطت الأحداث الأخيرة في غزة وإسرائيل الضوء مرة أخرى على الحاجة الملحة لمعالجة الاستهداف المتعمد للمدنيين، والهجمات غير المتناسبة، والعنف العشوائي الذي يحدث بشكل مأساوي أثناء الصراعات. وتشكل هذه الأعمال جرائم حرب، وقد خلفت أثراً مدمراً من المعاناة والخسارة. ويجب أن تتحمل إسرائيل، بتاريخها الحافل بجرائم الحرب، المسؤولية عن أفعالها، تماماً كما يجب دعوة الجماعات الفلسطينية المسلحة في غزة إلى وقف أعمالها التي تلحق الضرر بالمدنيين. ولمنع المزيد من المعاناة ومعالجة الأسباب الجذرية لهذه الصراعات، فإن الالتزام بالقانون الدولي، وإنهاء الحصار على غزة، والتوصل إلى حل شامل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أمر ضروري.

معالجة الأسباب الجذرية

ولتحقيق السلام والاستقرار الدائمين، فمن الضروري معالجة الأسباب الجذرية للصراع بين إسرائيل وغزة. ويشمل ذلك إنهاء الحصار المفروض على غزة منذ 16 عاماً، والذي أدى إلى معاناة إنسانية وحرمان شديدين. وينبغي للجهات الفاعلة الدولية أن تعمل على رفع هذا الحصار وتقديم المساعدة الإنسانية الأساسية لشعب غزة.

ولا يقتصر الصراع على غزة، بل يمتد إلى الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية. وقد ساهمت التوترات حول المواقع الدينية والأعمال الاستفزازية في هذه المناطق في مزيد من العنف.

التدخل الدولي

إن دعوة منظمة العفو الدولية للمجتمع الدولي للتدخل بشكل عاجل هي نداء من أجل الحماية والعدالة ومنع المزيد من المعاناة. ويجب على الجهات الفاعلة الدولية، بما في ذلك الحكومات والمنظمات، استخدام نفوذها للتوصل إلى حل سلمي للصراع. إن الدبلوماسية والتفاوض واحترام القانون الدولي هي السبيل إلى سلام عادل ودائم.

القانون الدولي: حماية المدنيين في النزاعات

يلعب القانون الدولي، الذي غالبا ما يعتبر حجر الزاوية في الحوكمة العالمية، دورا حاسما في حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة. هناك وثيقتان قانونيتان رئيسيتان تدعمان هذه الجهود:

1. اتفاقيات جنيف: التي تم اعتمادها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تضع هذه الاتفاقيات الأربع وبروتوكولاتها الإضافية المبادئ الأساسية لحماية المدنيين والمقاتلين الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية. تحدد اتفاقيات جنيف القواعد الإنسانية للحرب، مع التأكيد على ضرورة التمييز بين المدنيين والمقاتلين.

2. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ICC): أنشأت هذه المعاهدة، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2002، المحكمة الجنائية الدولية كمحكمة دائمة لمحاكمة الأفراد على أخطر الجرائم التي تثير الاهتمام الدولي. ويشمل ذلك محاكمة جرائم الحرب التي تلحق الضرر بالمدنيين أو تلحق الضرر بممتلكاتهم.

إن وجود هذه الصكوك القانونية الدولية يعكس التزام المجتمع العالمي بالحد من المعاناة التي يعيشها المدنيون أثناء الصراعات المسلحة. ومع ذلك، فإن فعالية هذه القوانين تعتمد على تنفيذها وإنفاذها.

المنظمات الدولية وأدوارها

تلعب المنظمات الدولية دورًا محوريًا في معالجة محنة المدنيين في الصراعات. وتتصدر المنظمات التالية هذا المسعى:

1. الأمم المتحدة: تعتبر الأمم المتحدة، من خلال هيئاتها المختلفة، لاعبًا رئيسيًا في حماية المدنيين. يمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إنشاء بعثات لحفظ السلام للمساعدة في تحقيق الاستقرار في مناطق الصراع وحماية المدنيين. على سبيل المثال، نشطت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (UNMISS) في التخفيف من حدة العنف وتأثيره على المدنيين. لكن الأمم المتحدة لم تقم بدورها على الإطلاق في كثير من الصراعات بسبب سيطرة 5 دول كبرى على مجلس الأمن والاستقطاب الحاصل بين أعضاءه، حيث أصبح مجلس الأمن رهينة لمصالحهم والنتيجة سقوط الآلاف من المدنيين قتلى تحت مطرقة حق الفيتو.

2. اللجنة الدولية للصليب الأحمر: باعتبارها منظمة محايدة ومستقلة، تعمل اللجنة الدولية بلا كلل لتوفير المساعدة الإنسانية والحماية للمدنيين المتضررين من النزاعات المسلحة. كما أنها تسهل الحوار بين الأطراف المتحاربة لتحسين أوضاع المدنيين.

3. المنظمات غير الحكومية: تعمل المنظمات غير الحكومية مثل منظمة أطباء بلا حدود (أطباء بلا حدود) وهيومن رايتس ووتش على أرض الواقع لتقديم المساعدة الطبية، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، والدعوة إلى حماية المدنيين. .

العمل الجماعي: ما يمكننا القيام به

إن العمل الجماعي هو حجر الزاوية في أي مسعى يهدف إلى حماية المدنيين في الصراع. إنها ليست مسؤولية الحكومات والمنظمات الدولية فحسب؛ يمكن للأفراد والمجتمعات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم أن يحدثوا فرقًا. إليك ما يمكننا فعله:

1. الدعوة ورفع الوعي: يمكننا رفع أصواتنا لخلق الوعي حول محنة المدنيين في الصراع. ويمكن القيام بذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والمناسبات العامة، والحملات الشعبية.

2. دعم الجهود الإنسانية: المساهمة في المنظمات الإنسانية التي تقدم المساعدات للمتضررين من النزاع. الدعم المالي والمادي يمكن أن يكون له تأثير كبير.

3. الضغط على الحكومات: اجعل حكومتك مسؤولة عن أفعالها على الساحة الدولية. الدعوة إلى السياسات والإجراءات التي تعطي الأولوية لحماية المدنيين والمساعدات الإنسانية في مناطق النزاع.

4. تعزيز التعليم والتعاطف: تشجيع المبادرات التعليمية التي تعلم مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان وعواقب الصراع. إن تعزيز التعاطف أمر ضروري لبناء عالم يقدر حماية المدنيين.

إن حماية المدنيين في الصراعات ليست مجرد واجب أخلاقي؛ إنها ضرورة قانونية وإنسانية. ويضع القانون الدولي، من خلال اتفاقيات جنيف ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إطارًا واضحًا لحماية المدنيين. من واجب المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات غير الحكومية، أن تلعب أدوارًا أساسية في تنفيذ هذه القوانين. ومع ذلك، يجب على المجتمع العالمي أن يدعم بشكل جماعي هذه المبادئ، ويطالب بالمساءلة، ويعمل على ضمان ألا يكون المدنيون مجرد أضرار جانبية في الصراعات.

ومن مسؤوليتنا المشتركة أن نضمن أن يعيش المدنيون متحررين من الخوف والعنف، حتى في أحلك الأوقات. ومن خلال الدعوة ودعم الجهود الإنسانية، والضغط على الحكومات، وتعزيز التعليم والتعاطف، يمكننا العمل معًا لحماية ودعم حقوق المدنيين في الصراع. ومن خلال القيام بذلك، فإننا نؤكد من جديد التزامنا بمبادئ الإنسانية والرحمة والعدالة، والتي تعتبر ضرورية في عالم مترابط ومترابط بشكل متزايد.


المصدر: www.amnesty.org
الصورة من عمل: United Nations Photo

 

اترك تعليقاً